السادسُ من أيلول، عام 2013. المنتخب اللبناني متقدّمٌ بالنتيجة على سوريا (2-0)، في لقاءٍ ودّي على ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية. مدرب المنتخب الجديد، الإيطالي جيوسيبي جيانيني، يريد اختيار مجموعة من اللاعبين، فيدخل مدافع جديد، لم يسبق أن تعرّف الجمهور عليه، يُدعى جوان العمري، بدلاً من بلال نجارين. دقائق عدّة مرّت، ليُشهر الحكم بطاقة حمراء مباشرة إلى اللاعب الجديد القادم من ألمانيا. هكذا، انتهى مشوار العمري باكراً مع منتخب لبنان، وقرّر جيانيني أن يستبعده بشكلٍ نهائي.
العمري، الذي قاد منتخب لبنان، أمس السبت، إلى الفوز على سريلانكا (3-2)، بتسجيله هدفين، ليرفع رصيده إلى 4 أهداف في 26 مباراة خاضها مع "رجال الأرز"، جاء متأخّراً، وغُيّب، ثم حضر، ليصبح ركيزة أساسية في تشكيلة المنتخب، وهو في طريقه ليكون أحد أبرز اللاعبين اللبنانيين المحترفين عبر التاريخ.
استدعاء متأخّر
كان العمري في الـ24 من عمره حين استدعيَ لأول مرة إلى منتخب لبنان، لكنه استُبعد بسرعة وغاب سنتين، قبل أن يلعب مباراته الدولية الثانية في أيّار من عام 2015 بقيادة المونتنيغري ميودراغ رادولوفيتش. دخل بسرعةٍ ضمن حسابات المدرب الجديد، وخاض معه ثماني مباريات في أوّل سنة، قبل أن يصبح اللاعب الأساسي في الدفاع، ضمن رسم (3-4-3) في تصفيات كأس آسيا ثم البطولة الآسيوية.
أبوابٌ مفتوحة
كان العمري لاعباً معروفاً في دوري الدرجة الثانية الألماني، مع نادي فرانكفورت، الذي حمل شارة قيادته. لعب هناك 64 مباراة خلال ثلاثة مواسم، إلى جانب خوض مواسم عدّة في درجاتٍ أدنى. بعد تمثيله منتخب لبنان عام 2015، فُتحت أبواب اللعب في بلادٍ أخرى أمامه. انتقل إلى تركيا ليلعب مع سيفاسبور في السوبر ليغ، لكن فريقه هبط، في حين أراد العمري التقدّم بمسيرته، ليلعب نصف موسم وينتقل إلى النصر الإماراتي. هناك شارك في دوري أبطال آسيا لأوّل مرة، وانتقل بالإعارة إلى ساغان توسو الياباني. قدّم نفسه بصورة جيّدة، فاستعاده النصر وأشركه في نصف موسم، قبل أن يُعيره مجدداً إلى فيسيل كوبي. العمري كان زامل الإسباني فرناندو توريس، ثم لعب إلى جانب أندريس إنييستا ولوكاس بودولسكي. أصبح لاعباً معروفاً في اليابان، ومطلوباً من أكثر من نادٍ. قرّر البقاء، ووقّع عقداً مع طوكيو لموسمٍ واحدٍ جُدّد لموسمٍ ثانٍ، يلعبه حالياً.
إشكال مع رادولوفيتش
في إحدى مباريات منتخب لبنان، خرج العمري من أرض الملعب ورمى قميص المنتخب أرضاً. الحادثة أثارت استياء الجماهير التي اعتبرت أن اللاعب لا يريد تمثيل منتخب بلاده. لم يرد العمري إلا في مقابلةٍ صحافيةٍ مع "سوبر1"، اعتبر خلالها أن الجمهور يُصدّق ما يريد فقط، وأن إشكالاً صغيراً حصل بينه وبين ميودراغ ولكنّه لم يفكّر أبداً بأن لا يلعب مع منتخب لبنان. المونتنيغري كان يعلم قيمة العمري في فريقه. حُلّت المشكلة، ولم يخسر المنتخب مدافعه كما حصل سابقاً.
عتب على الجمهور
في المقابلة عينها التي أجراها مع "سوبر1" عام 2018، كان عتب العمري كبيراً على الجمهور اللبناني. اعتبر أنه تُرك بلا دعم في مشواره الاحترافي، في اليابان خاصةً، في حين أن الجماهير هناك تهتف باسمه وتُعرّف به: "اللبناني فعل هذا واللبناني فعل ذلك". لم يُعجبه الحضور الجماهيري الضئيل في مباريات المنتخب، وكان شاهد مباراةً بين النجمة والعهد ضمن بطولة الدوري، حضرها نحو 15 ألف شخص. أمرٌ أشار إليه مدافع منتخب لبنان، معتبراً أنّه أمر غير صحّي أن يكون هناك عدد كبير من الجماهير، ولا تحضر لمؤازرة المنتخب.
الجمهور يتقرّب من المدافع
مشاركة لبنان في كأس آسيا فتحت أعين الجماهير اللبنانية التي دعمت مشوار "رجال الأرز" الثاني في في البطولة القاريّة. العمري كان من اللاعبين الأساسيين، وأظهر صلابة في الدفاع وقوّة في الشخصيّة. تقرّب الجمهور منه أكثر، وسمحت متابعة بعض المواقع الإلكترونية لأخبار المحترفين في الخارج، على غرار "ليبانون فوتبول غايد" و"FA Lebanon"، بالتعرّف على ما يُقدّمه في الدوري الياباني، حيث تُوّج بلقبين.
مطالبة بالقيادة
بعد إعلان إصابة قائد منتخب لبنان حسن معتوق وعدم استدعائه إلى التصفيات المونديالية، إلى جانب حسن شعيتو "موني"، كان السؤال حول من سيقود المنتخب في المباريات الثلاث المقبلة. العمري، هو الأكبر سناً (32 سنة)، لكنه ليس الأقدم. عددٌ من المشجعين طالب بحصوله على شارة القيادة، لما أظهره من شخصية قيادية في بعض المباريات السابقة. على الرغم من المنتخب يعتمد الأقدمية، ما يعني أن العمري بعيد عن القيادة، فإنه يُظهر قيادته اللاعبين في الملعب، دون تخطّي القائد الفعلي؛ يُشجّعهم ويُنبّههم إلى المراكز من الخلف. أخطأ في الهدف الأوّل الذي سُجّل في مرمى لبنان، لكنّه عادل النتيجة بنفسه، قبل أن يضيف هدفاً ثالثاً بطريقةٍ رائعة.
جوان العمري مكسبٌ مهمٌ بالنسبة إلى منتخب لبنان، وسيكون دوره أهم في قادم الاستحقاقات القارية والعربيّة. والأكيد، أن ما يقدّمه، ليس مع المنتخب فحسب، بل في مسيرته الاحترافية، يضعه ضمن أفضل اللاعبين اللبنانيين الذين احترفوا في الخارج.